فصل: أَنَّى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.أَنْ:

أَنْ: بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ عَلَى أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ حَرْفًا مَصْدَرِيًّا نَاصِبًا لِلْمُضَارِعِ، وَيَقَعُ فِي مَوْضِعَيْن:
فِي الِابْتِدَاء: فَيَكُونُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، نَحْوَ: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [الْبَقَرَة: 184]، {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [الْبَقَرَة: 237].
وَبَعْدَ لَفْظٍ دَالٍّ عَلَى مَعْنًى غَيْرِ الْيَقِين: فَيَكُونُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، نَحْوَ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ} [الْحَدِيد: 16]، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا} [الْبَقَرَة: 216]. وَنَصْبٍ، نَحْوَ: {نخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [الْمَائِدَة: 52]، {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى} [يُونُسَ: 37]، {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الْكَهْف: 79]. وَخَفْضٍ، نَحْوَ: {أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا} [الْأَعْرَاف: 129]. {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [الْمُنَافِقُونَ: 10].
وَ(أَنْ) هَذِهِ مَوْصُولٌ حَرْفِيٌّ، وَتُوصَلُ بِالْفِعْلِ الْمُتَصَرِّفِ، مُضَارِعًا كَمَا مَرَّ، وَمَاضِيًا نَحْوَ: {لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} [الْقَصَص: 82]، {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ} [الْإِسْرَاء: 74].
وَقَدْ يُرْفَعُ الْمُضَارِعُ بَعْدَهَا إِهْمَالًا لَهَا، حَمْلًا عَلَى (مَا) أُخْتِهَا، كَقِرَاءَةِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ الرَّضَاعَةَ} [الْبَقَرَة: 233].
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ، فَتَقَعُ بَعْدَ فِعْلِ الْيَقِينِ أَوْ مَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ، نَحْوَ: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} [طه: 89]، {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} [الْمُزَّمِّل: 20]، {وَحَسِبُوا أَنْ لَا تَكُونَ} [الْمَائِدَة: 71] فِي قِرَاءَةِ الرَّفْعِ.
الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً بِمَنْزِلَةِ أَيْ:، نَحْوَ: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} [الْمُؤْمِنُونَ: 27]، {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ} [الْأَعْرَاف: 43].
وَشَرْطُهَا: أَنْ تُسْبَقَ بِجُمْلَةٍ، فَلِذَلِكَ غَلِطَ مَنْ جَعَلَ مِنْهَا: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يُونُسَ: 10].
وَأَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهَا جُمْلَةٌ.
وَأَنْ يَكُونَ فِي الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ مَعْنَى الْقَوْلِ، وَمِنْهُ: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} [ص: 6] إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِانْطِلَاقِ الْمَشْيَ، بَلِ انْطِلَاقَ أَلْسِنَتِهِمْ بِهَذَا الْكَلَامِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْمَشْيَ الْمُتَعَارَفَ بَلِ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْمَشْيِ.
وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ الَّتِي فِي قَوْلِه: {أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} [النَّحْل: 68] مُفَسَّرَةٌ، بِأَنْ قَبْلَهُ: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}، وَالْوَحْيُ هَنَا إِلْهَامٌ بِاتِّفَاقٍ، وَلَيْسَ فِي الْإِلْهَامِ مَعْنَى الْقَوْلِ، وَإِنَّمَا هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ: بِاتِّخَاذِ الْجِبَالِ.
وَأَلَّا يَكُونَ فِي الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ أَحْرُفُ الْقَوْلِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِه: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} [الْمَائِدَة: 117]: إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً لِلْقَوْلِ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِالْأَمْرِ، أَيْ: مَا أَمَرْتُهُمْ إِلَّا بِمَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ حَسَنٌ، وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ فِي الضَّابِطِ أَنْ لَا تَكُونَ فِيهِ حُرُوفٌ إِلَّا وَالْقَوْلُ مُئَوَّلٌ بِغَيْرِهِ.
قُلْتُ: وَهَذَا مِنَ الْغَرَائِبِ، كَوْنُهُمْ يَشْرُطُونَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَعْنَى الْقَوْلِ، فَإِذَا جَاءَ لَفْظُهُ أَوَّلُوهُ بِمَا فِيهِ مَعْنَاهُ مَعَ صَرِيحِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَعْلِهِمْ (أَلْ) فِي (الْآنَ) زَائِدَةً، مَعَ قَوْلِهِمْ بِتَضَمُّنِهَا مَعْنَاهَا.
وَأَلَّا يَدْخُلَ عَلَيْهَا حَرْفُ جَرٍّ.
الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً، وَالْأَكْثَرُ أَنْ تَقَعَ بَعْدَ لَمَّا التَّوْقِيتِيَّةِ، نَحْوَ: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا} [الْعَنْكَبُوت: 33].
وَزَعَمَ الْأَخْفَشُ: أَنَّهَا تَنْصِبُ الْمُضَارِعَ وَهِيَ زَائِدَةٌ، وَخَرَّجَ عَلَيْه: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 246]، {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ} [إِبْرَاهِيمَ: 12]، قَالَ: فَهِيَ زَائِدَةٌ، بِدَلِيل: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُؤْمِنَ بِاللَّهِ} [الْمَائِدَة: 84].
الْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً كَالْمَكْسُورَةِ، قَالَهُ الْكُوفِيُّونَ. وَخَرَّجُوا عَلَيْه: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} [الْبَقَرَة: 282]، {أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الْمَائِدَة: 2]، {صَفْحًا إِنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} [الزُّخْرُف: 5].
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرَجِّحُهُ عِنْدِي تَوَارُدُهُمَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَالْأَصْلُ التَّوَافُقُ، وَقَدْ قُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَدُخُولُ الْفَاءِ بَعْدَهَا فِي قَوْلِه: {فَتُذَكِّرَ} [الْبَقَرَة: 282].
السَّادِسُ: أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً، قَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِه: {أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 73] أَيْ: لَا يُؤْتَى، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ: وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُؤْتَى، أَيْ: بِإِيتَاءِ أَحَدٍ.
السَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} [ق: 2]، {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا} [الْمُمْتَحِنَة: 1] وَالصَّوَابُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَقَبْلَهَا لَامُ الْعِلَّةِ مُقَدَّرَةٌ.
الثَّامِنُ: أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى لِئَلَّا، قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِه: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النِّسَاء: 176]، وَالصَّوَابُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: كَرَاهَةَ أَنْ تَضِلُّوا.

.إِنَّ:

إِنَّ: بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ، عَلَى أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: التَّأْكِيدُ وَالتَّحْقِيقُ، وَهُوَ الْغَالِبُ، نَحْوَ: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْبَقَرَة: 173]، {إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} [يس: 16].
قَالَ: عَبْدُ الْقَاهِر: وَالتَّأْكِيدُ بِهَا أَقْوَى مِنَ التَّأْكِيدِ بِاللَّامِ، قَالَ: وَأَكْثَرُ مَوَاقِعِهَا- بِحَسَبِ الِاسْتِقْرَاءِ- وَالْجَوَابُ لِسُؤَالٍ ظَاهِرٍ أَوْ مُقَدَّرٍ، إِذَا كَانَ لِلسَّائِلِ فِيهِ ظَنٌّ.
وَالثَّانِي: التَّعْلِيلُ، أَثْبَتَهُ ابْنُ جِنِّي وَأَهْلُ الْبَيَانِ، وَمَثَّلُوهُ بِنَحْو: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْمُزَّمِّل: 20]، {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التَّوْبَة: 103]، {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يُوسُفَ: 53]، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّأْكِيدِ.
الثَّالِثُ: مَعْنَى نَعَمْ، أَثْبَتَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قَوْمٌ مِنْهُمُ الْمُبَرِّدُ: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63].

.أَنَّ:

أَنَّ: بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ، عَلَى وَجْهَيْن:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ تَأْكِيدٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا فَرْعُ الْمَكْسُورَةِ، وَأَنَّهَا مَوْصُولٌ حَرْفِيٌّ تُئَوَّلُ مَعَ اسْمِهَا وَخَبَرِهَا بِالْمَصْدَرِ. فَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ مُشْتَقًّا بِالْمَصْدَرِ الْمُؤَوَّلِ بِهِ مِنْ لَفْظِهِ، نَحْوَ: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الطَّلَاق: 12] أَيْ: قُدْرَتُهُ. وَإِنْ كَانَ جَامِدًا قُدِّرَ بِالْكَوْنِ.
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ كَوْنُهَا لِلتَّأْكِيد: بِأَنَّكَ لَوْ صَرَّحْتَ بِالْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ مِنْهَا لَمْ يُفِدْ تَأْكِيدًا؛ وَأُجِيبُ: بِأَنَّ التَّأْكِيدَ لِلْمَصْدَرِ الْمُنْحَلِّ، وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَكْسُورَةِ؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ فِي الْمَكْسُورَةِ لِلْإِسْنَادِ، وَهَذِهِ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لُغَةً فِي (لَعَلَّ) وَخَرَّجَ عَلَيْهَا: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الْأَنْعَام: 109]، فِي قِرَاءَةِ الْفَتْحِ، أَيْ: لَعَلَّهَا.

.أَنَّى:

أَنَّى: اسْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالشَّرْطِ.
فَأَمَّا الِاسْتِفْهَامُ: فَتَرِدُ فِيهِ بِمَعْنَى كَيْفَ، نَحْوَ: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الْبَقَرَة: 259]، {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التَّوْبَة: 30]. وَمِنْ أَيْنَ، نَحْوَ: {أَنَّى لَكِ هَذَا} [آلِ عِمْرَانَ: 37]، أَيْ: مِنْ أَيْنَ أَتَى هَذَا: أَيْ: مِنْ أَيْنَ جَاءَنَا.
قَالَ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ (أَيْنَ) وَ(مِنْ أَيْنَ) أَنَّ (أَيْنَ) سُؤَالٌ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي حَلَّ فِيهِ الشَّيْءُ، وَ(مِنْ أَيْنَ) سُؤَالٌ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي بَرَزَ مِنْهُ الشَّيْءُ. وَجُعِلَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا قُرِئَ شَاذًّا: {أَنَّى صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا}.
وَبِمَعْنَى مَتَى، وَقَدْ ذُكِرَتِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [الْبَقَرَة: 223].
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ الْأَوَّلَ مِنْ طَرِيقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخْرَجَ الثَّانِيَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَاخْتَارَهُ، وَأَخْرَجَ الثَّالِثَ عَنِ الضَّحَّاكِ، وَأَخْرَجَ قَوْلًا رَابِعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ، أَنَّهَا بِمَعْنَى: (حَيْثُ شِئْتُمْ).
وَاخْتَارَ أَبُو حَيَّانَ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا فِي الْآيَةِ شَرْطِيَّةٌ، وَحُذِفَ جَوَابُهَا لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتِ اسْتِفْهَامِيَّةً لَاكْتَفَتْ بِمَا بَعْدَهَا، كَمَا هُوَ شَأْنُ الِاسْتِفْهَامِيَّةِ، أَنْ تَكْتَفِيَ بِمَا بَعْدَهَا؛ أَيْ: تَكُونَ كَلَامًا يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ اسْمًا أَوْ فِعْلًا.

.أَوْ:

أَوْ: حَرْفُ عَطْفٍ تَرِدُ لِمَعَانٍ:
الشَّكُّ مِنَ الْمُتَكَلِّم: نَحْوَ: {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الْمُؤْمِنُونَ: 113].
وَالْإِبْهَامُ عَلَى السَّامِع: نَحْوَ: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سَبَإٍ: 24].
وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْن: بِأَنْ يَمْتَنِعَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.
وَالْإِبَاحَةُ بِأَلَّا يَمْتَنِعَ الْجَمْعُ:
وَمُثِّلَ الثَّانِي بِقَوْلِه: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} الْآيَةَ [النُّور: 61] وَمُثِّلَ الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [الْبَقَرَة: 196]. وَقوله: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [الْمَائِدَة: 89].
وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْجَمْعَ فِي الْآيَتَيْنِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ.
وَأَجَابَ ابْنُ هِشَامٍ: بِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وُقُوعِ كُلِّ كَفَّارَةٍ أَوْ فِدْيَةٍ، بَلْ يَقَعُ وَاحِدٌ مِنْهُنَّ كَفَّارَةً أَوْ فَدِيَةً، وَالْبَاقِي قُرْبَةً مُسْتَقِلَّةً خَارِجَةً عَنْ ذَلِكَ.
قُلْتُ: وَأَوْضَحُ مِنْ هَذَا التَّمْثِيلِ قوله: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} الْآيَةَ [الْمَائِدَة: 33].
عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْخِيَرَةَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ بَلْ يَفْعَلُ مِنْهَا وَاحِدًا يُؤَدِّي اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ.
وَالتَّفْصِيلُ بَعْدَ الْإِجْمَال: نَحْوَ: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} [الْبَقَرَة: 135]، (إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) [الذَّارِيَات: 52] أَيْ: قَالَ بَعْضُهُمْ كَذَا وَبَعْضُهُمْ كَذَا.
وَالْإِضْرَابُ كَـ: (بَلْ) وَخَرَّجَ عَلَيْه: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصَّافَّات: 147]، {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النَّجْم: 9] وَقِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا} [الْبَقَرَة: 100] بِسُكُونِ الْوَاوِ.
وَمُطْلَقُ الْجَمْعِ كَالْوَاو: نَحْوَ: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]، {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه: 113].
وَالتَّقْرِيبُ: ذَكَرَهُ الْحَرِيرِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ، وَجُعِلَ مِنْهُ: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النَّحْل: 77].
وَرُدَّ بِأَنَّ التَّقْرِيبَ مُسْتَفَادٌ مِنْ غَيْرِهَا.
وَمَعْنَى (إِلَّا) فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَمَعْنَى (إِلَى): وَهَاتَانِ يُنْصَبُ الْمُضَارِعُ بَعْدَهُمَا بِأَنْ مُضْمَرَةٍ، وَخُرِّجَ عَلَيْهَا: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [الْبَقَرَة: 236].
فَقِيلَ: إِنَّهُ مَنْصُوبٌ لَا مَجْزُومٌ بِالْعَطْفِ عَلَى تَمَسُّوهُنَّ، لِئَلَّا يَصِيرَ الْمَعْنَى: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُهُورِ النِّسَاءِ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ فِي مُدَّةِ انْتِفَاءِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ. مَعَ أَنَّهُ إِذَا انْتَفَى الْفَرْضُ دُونَ الْمَسِيسِ لَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِذَا انْتَفَى الْمَسِيسُ دُونَ الْفَرْضِ لَزِمَ نِصْفُ الْمُسَمَّى؛ فَكَيْفَ يَصِحُّ دَفْعُ الْجُنَاحِ عِنْدَ انْتِفَاءِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ؟! وَلِأَنَّ الْمُطَلَّقَاتِ الْمَفْرُوضَ لَهُنَّ قَدْ ذُكِرْنَ ثَانِيًا بِقَوْلِه: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} الْآيَةَ وَتُرِكَ ذِكْرُ الْمَمْسُوسَاتِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَفْهُومِ، وَلَوْ كَانَتْ {تَفْرِضُوا} مَجْزُومًا لَكَانَتِ الْمَمْسُوسَاتُ وَالْمَفْرُوضُ لَهُنَّ مُسْتَوِيَاتٍ فِي الذِّكْرِ. وَإِذَا قُدِّرَتْ (أَوْ) بِمَعْنَى (إِلَّا) خَرَجَتِ الْمَفْرُوضُ لَهُنَّ عَنْ مُشَارَكَةِ الْمَمْسُوسَاتِ فِي الذِّكْرِ، وَكَذَا إِذَا قُدِّرَتْ بِمَعْنَى (إِلَى) وَتَكُونُ غَايَةً لِنَفْيِ الْجُنَاحِ لَا لِنَفْيِ الْمَسِيسِ.
وَأَجَابَ ابْنُ الْحَاجِّ عَنِ الْأَوَّل: بِمَنْعِ كَوْنِ الْمَعْنَى مُدَّةَ انْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا، بَلْ مُدَّةً لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَذَلِكَ بِنَفْيِهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ الصَّرِيحِ.
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنِ الثَّانِي: بِأَنَّ ذِكْرَ الْمَفْرُوضِ لَهُنَّ، إِنَّمَا كَانَ لِتَيَقُّنِ النِّصْفِ لَهُنَّ، لَا لِبَيَانِ أَنَّ لَهُنَّ شَيْئًا فِي الْجُمْلَةِ.
وَمِمَّا خُرِّجَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قِرَاءَةُ أُبَيٍّ: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُوا}.
تَنْبِيهَاتٌ:
الْأَوَّلُ: لَمْ يَذْكُرِ الْمُتَقَدِّمُونَ لِـ: (أَوْ) هَذِهِ الْمَعَانِيَ، بَلْ قَالُوا: هِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوِ الْأَشْيَاءِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ التَّحْقِيقُ، وَالْمَعَانِي الْمَذْكُورَةُ مُسْتَفَادَةٌ مِنَ الْقَرَائِنِ.
الثَّانِي: قَالَ أَبُو الْبَقَاء: (أَوْ) فِي النَّهْيِ نَقِيضَةُ (أَوْ) فِي الْإِبَاحَةِ، فَيَجِبُ اجْتِنَابُ الْأَمْرَيْنِ، كَقَوْلِه: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الْإِنْسَان: 24]، فَلَا يَجُوزُ فِعْلُ أَحَدِهِمَا، فَلَوْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا كَانَ فِعْلًا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدُهُمَا.
وَقَالَ غَيْرُهُ: (أَوْ) فِي مِثْلِ هَذَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، تُفِيدُ الْجَمْعَ.
وَقَالَ الطَّيْبِيُّ: الْأَوْلَى أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا، وَإِنَّمَا جَاءَ التَّعْمِيمُ فِيهِمَا مِنَ النَّهْيِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى النَّفْيِ، وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى قَبْلَ النَّهْي: {تُطِعْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}، أَيْ: وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَإِذَا جَاءَ النَّهْيُ وَرَدَ عَلَى مَا كَانَ ثَابِتًا، فَالْمَعْنَى: لَا تُطِعْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَالتَّعْمِيمُ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ النَّهْيِ، وَهِيَ عَلَى بَابِهَا.
الثَّالِثُ: لِكَوْنِ مَبْنَاهَا عَلَى عَدَمِ التَّشْرِيكِ عَادَ الضَّمِيرُ إِلَى مُفْرَدَيْهَا بِالْإِفْرَادِ، بِخِلَافِ الْوَاوِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النِّسَاء: 135]. فَقِيلَ: إِنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ.
وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ الْخَصْمَانِ غَنِيَّيْنِ أَوْ فَقِيرَيْنِ.
فَائِدَةٌ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ (أَوْ) فَهُوَ مُخَيَّرٌ، فَإِذَا كَانَ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَهُوَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ فِيهِ (أَوْ) فَلِلتَّخْيِيرِ، إِلَّا قَوْلَهُ: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [الْمَائِدَة: 33] لَيْسَ بِمُخَيَّرٍ فِيهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا أَقُولُ.
أَوْلَى: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [الْقِيَامَة: 34]، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَوْلَى لَهُمْ} [مُحَمَّدٍ: 20]، قَالَ: فِي الصِّحَاح: قَوْلُهُمْ: (أَوْلَى لَكَ) كَلِمَةُ تَهْدِيدٍ وَوَعِيدٍ، قَالَ الشَّاعِرُ:
فَأَوْلَى لَهُ ثُمَّ أَوْلَى لَهُ

قَالَ: الْأَصْمَعِيُّ فَمَعْنَاهُ قَارَبَهُ مَا يُهْلِكُهُ، أَيْ: نَزَلَ بِهِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيهَا أَحْسَنَ مِمَّا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ..
وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ اسْمُ فِعْلٍ مَبْنِيٌّ، وَمَعْنَاهُ: وَلِيَكَ شَرٌّ بَعْدَ شَرٍّ، وَ(لَكَ) تَبْيِينٌ.
وَقِيلَ: هُوَ عَلَمٌ لِلْوَعِيدِ غَيْرُ مَصْرُوفٍ، وَلِذَا لَمْ يُنَوَّنْ، وَإِنَّ مَحَلَّهُ رَفْعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَلَكَ الْخَبَرُ، وَوَزْنُهُ عَلَى هَذَا (فَعْلَى)، وَالْأَلِفُ لِلْإِلْحَاقِ وَقِيلَ: (أَفْعَلْ).
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْوَيْلُ لَكَ، وَأَنَّهُ مَقْلُوبٌ مِنْهُ، وَالْأَصْلُ (أَوَيْلُ) فَأُخِّرَ حَرْفُ الْعِلَّةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَنْسَاء:
هَمَمْتُ لِنَفْسِي بَعْضِ الْهُمُومِ ** فَأَوْلَى لِنَفْسِي أَوْلَى لَهَا

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: الذَّمُّ لَكَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ، فَحُذِفَ الْمُبْتَدَأُ لِكَثْرَةِ دَوَرَانِهِ فِي الْكَلَامِ.
وَقِيلَ: الْمَعْنَى: أَنْتَ أَوْلَى وَأَجْدَرُ بِهَذَا الْعَذَابِ.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: (أَوْلَى لَكَ) فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَعْنَاهُ مُقَارَبَةُ الْهَلَاكِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ وُلِّيتُ الْهَلَاكَ، أَوْ قَدْ دَانَيْتُ الْهَلَاكَ، أَصْلُهُ مِنَ الْوُلْيِ وَهُوَ الْقُرْبُ، وَمِنْهُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ} [التَّوْبَة: 123]، أَيْ: يَقْرُبُونَ مِنْكُمْ.
وَقَالَ النَّحَّاسُ: الْعَرَبُ تَقُولُ: أَوْلَى لَكَ، أَيْ: كِدْتَ تَهْلِكُ، وَكَأَنَّ تَقْدِيرَهُ: أَوْلَى لَكَ الْهَلَكَةُ.